EMASSY OF SUDAN.
حينما يصبح المسئول عبئاً على الحكم
03-13-2014 04:38 PM
السفير / الأمين عبداللطيف
بدءاً هل يعرف بعض المسئولون السودانيون المعنى الحقيقي للمسئولية ؟ أشك كثيراً والا لما وصلنا إلى ما نحن فيه الآن ولذا فان المعرفة الحقيقية للمسئولية مهم .. فهل هي مسئولية وطنية وبادراك ووعي سياسي ناضج بمعنى أن يعرف مصالح الوطن ويحميها ويدافع عنها أم أن شخصية المسئول تصبح تجسيداً لمصلحة الوطن وبدونه الوطن لا شئ ولذا كان بقاء البعض في الحكم مدى الحياة أو اسقاطه بالقوة .. أم هي مسئولية الحفاظ على مصالح الجماهير التي منحته الثقة وبذلك يحترم الشعب ويصبح خادمه وليس سيده .. أم هي مسئولية أخلاقية بمعنى أن يعرف أن سلوكه محسوب على الوطن وأن الأمانة والنزاهة أمانة في عنقه وعناصر أساسية حتى لا يستبيح المنصب لمصلحته وأسرته أم هي مسئولية دينية بمعنى أن يحترم القسم الذي أداه ويده على المصحف الشريف أم اعتبر ذلك عمل مراسمي فقط أي من هذه يعرفها ويحترمها المسئول السوداني سواء كان والياً أو وزيراً أو رئيساً .. للأسف المسئولية لدى بعضهم هي الوصول إلى السلطة والبقاء فيها بأي ثمن فقط ولذا من استقلالنا وحتى الآن نتنازع حول كراسي السلطة ولكن ماذا نفعل بها بعد ذلك فذلك شأن أخر. ولذا كان التدهور المريع الذي أصاب الوطن حتى الآن.
المسولية في العالم كله ليست الوصول فقط لكراسي الحكم والا لما كانت هناك أحزاب وديمقراطية حقيقية لأن المسئولية الحقيقية بالنسبة لهم عادة مع الذين هم خلف الكواليس الذين ينظمون الحزب ويخططون ويضعون البرامج ويراقبون الأداء حتى ينجح الحزب ويصبح قوياً وفاعلاً ويحافظ على مصالح الوطن والمواطن ولذا يطلق عليهم لفظ King Makers لكن هنا عندنا الكل يريد أن يصبح وزيراً ذلك لأن المنصب هو مجال الثروة والجاه والظهور له ولأسرته وعشيرته وتأكيداً لذلك بالنظر إلى شكل وحجم المسئول قبل السلطة وهو في السلطة حيث ينتفخ جسده وتمثلاً جيوبه دون رقيب أو حسيب والشعب يعرف ذلك.
لقد مرت علينا تجارب مما ذكرت مؤلمة ومحزنة من مسئولين منهم الذي لا يحترم المواعيد التي أعدت له لمقابلة المسئول المقابل من دولة ويتخلف لأن نزواته حالت دون ذلك .. ومنهم المسئول الذي يرتكب عملاً مشيناً يصبح معلقاً ومرتبطاً باسم الوطن .. ومنهم المسئول الذي يسقط بصورة مؤسفة ويفشل في سداد نفقات الفندق أو دفع وزن عفشه نتيجة للشراء بجشع وأمثلة كثيرة لا مجال لذكرها ولولا أننا لا نريد أن نشهر بأحد لكنا ذكرنا الأسماء وما أكثرها والحديث عن المسئولية والأنتماء الوطني الحقيقي والحس الوطني صادق عمله يفتقر إليها عدد كبير وفي هذا الصدد أذكر قصة محزنة ومؤلمة عشتها بلندن حيث كنت أعمل عام 1972م فقد ارسل الرئيس الراحل نميري توجيهاً بأن يعود كل المسئولين بالخارج للسودان فوراً وحينما اتصلنا بالموجودين بلندن فؤجئت بذلك العدد والذي كان من الممكن أن نعقد به مجلس الوزراء وبنصاب قانوني ... وأثناء تواجدهم بمكتب السفير ( المرحوم عبدالله الحسن) دارت مداعبات ومناوشات بين بعضهم البعض حيث يصنف أحدهم الأخر بأن ميوله أمريكية أو فرنسية أو روسية أو مصرية ... الخ وبشعور غريب انتابني سألتهم فجأة من هو الذي ميوله سودانية !! فتكهرب الجو وخرجت فلحق بي المرحوم أحمد سليمان وبأسلوبه وطريقته المعروفة قال لي معاتباً أنهم فقط يداعبون بعضهم ويجب أن لا أخذ ما سمعت مأخذ الجد .. فقلت له لماذا أيضاً من باب المداعبة لم أسمع من يقول أن ميوله سودانية .. ترك ذلك الموقف أثراً عميقاً في نفسي وعرفت من ذلك الموقف عدد (اللوبيات) أو الخلايا النائمة الموجودة بالسودان ولا عجب أن يكون لدينا أحزاب سياسية ليس لها صلة بشعب ومصالح السودان بدعوة الديمقراطية الزائفة وهي مأساة السودان الحقيقية سواء في العهد الديمقراطي أو الشمولي دعك من حاملي الجوازات الأجنبية في مواقع المسئولية .
اذا عدنا إلى مأساة العبء سواء على الحزب أو الدولة أو في مرافق الدولة المختلفة لوجدنا ما يزعج ويخيف وذلك ناتج الدرجة الأولى لعدم الفهم الحقيقي لمعنى المسئولية بصورها المختلفة (وطنية – أخلاقية – دينية –..الخ) ... ففي الأنظمة الديمقراطية يفترض أن تكون للحزب مؤسسات تراغب وتخطط والوزير ماهو الا ممثل للحزب واذا حاد عن الطريق فلا مجال لبقائه وكذلك بالنسبة حتى لرئيس الحزب ورئيس الوزراء ورئيس الدولة ... ولذلك رأينا كيف أن الحزب الجمهوري الأمريكي أسقط الرئيس نكسون وحزب المحافظين أسقط مسز ساتشر وحزب العمل البريطاني أسقط توني بلير حتى الحزب الشيوعي السوفيتي أسقط خروتشوف حتى في اسرائيل أسقط رئيس الدولة وغير ذلك من الأمثلة لمن يريد أن يعرف .. أما في الأنظمة الشمولية فحدث ولا حرج سواء بالانقلابات داخلية أو تصفيات جسدية لأن شخصية القائد تتجسد فيه شخصية الدولة وأي مساس له هو مساس بالوطن. عجباً فداسة ولا في الاسلام ولذلك لا عجب في السودان أن يعربد زعيم الحزب كما يحلو له ومطلق التصريحات المتناقضة والمتضاربة ولا أحد يسأله والوزير في الحزب يفعل نفس الشئ والرئيس يفعل ننفس الشئ ولا محاسبية وهم لا يدرون أثر ذلك سواء على الحزب أو الدولة أو السياسة التي يرددها الحزب ولذلك نفتقد المصداقية داخلياً وخارجياً وهذا غير مهم لأن الرأي العام لا وزن له ولا يهتمون له ولعل قضية الساعة خير مثال أما خارجياً فالتجارب أوضحت لهم أن لا يهتموا بما يقال وأذكر في لقاء لي مع الرئيس الراحل نميري كنت أحمل جريدتي الأيام والصحافة وكلاهما ناطقة باسم النظام وفي الصفحة الأولى من كليهما تصريحات توضح مدى التخبط .. في أحداهما يقول وزير الاعلام (بونا ملوال) الناطق الرسمي باسم الدولة يقول أن الدولة الغيت عقود الخبراء الروس لأنهم تدخلوا في الشئون الداخلية للسودان وفي الأخرى يقول وزير الخارجية (دكتور منصور خالد) أن عقود الروس أنتهت .. فمازحت الرئيس قائلاً لو كنت مكاني سفيراً وحمل إليك أحد الصحفيين هذين التصريحين وسأل أيهما هو الحقيقة فماذا نقول .. فأنفعل الرئيس وقال أن هناك انفلات في التصريحات يجب وضع حولها . فتشجعت وقلت أن الرئيس الآمريكي حينما يخرج من البيت الأبيض لمقابلة الصحفيين يخرج من جيبه قصاصة صغيرة يقرأ منها ما يريد قوله ليس لأنه غبي ولكن الكلمة مسئولية ويحاسب عليها ولكن اللغة العربية لغة جميلة فنحن كل دولة شقيقة وصديقة لنا ونتفق معها تماماً في كل شئ ونحلف بالطلاق في أمور الدولة وغير ذلك.
وحينما عملت بالقاهرة عانيت الكثير وكنت لا لأدري أي حكومة امثل من كثرة التصريحات المنفلته هناك من يقف مع التكامل ومن هو ضده ومن هو مع الدفاع المشترك ومن هو ضد أو كلاهما لا يعرف أي شئ عن حقيقة الدفاع المشترك وأذكر أنني اضطرت لتصوير صفحات من كتاب السيد اسماعيل فمهي وزير خارجية مصر السابق (التفاوض من أجل السلام في الشرق الأوسط من 170 – 172) والتي تحكي قضية هذا الدفاع المشترك الذي لا يهم السودان من بعيد أو قريب وصورتها ووزعتها على عدد من المسئولين وحتى حلايب هناك من بعض يقف مع مصر أو ضدها وتحدثت مع رئيس الوزراء حول هذا التخبط ومع وزير الخارجية أنذاك الدكتور حسن الترابي .. وهذه مجرد عينه لما يعانيه أعضاء السلك الدبلوماسي السوداني.
اذا نظرنا إلى التصريحات التي أنطلقت بعد (المفأجاة) والتي لم تكن مفأجاة بل كانت فاجعة لأنها أعطت أمل كاذب لوجذبا تصريحات تحير واحدثت ربكة وتؤكد أننا نتخبط بصورة مؤسفة لدرجة أن التصريحات نسفت كلما قيل أو ما يراد له أن يحدث من تحول وعادت بنا إلى المربع الأول خاصة تصريحات بورتسودان وهذا مثل صارخ لعدم فهم المسئولية وكيف يمكن أن يصبح المسئول عبئاً ولأنه مسئول كبير لا يجد المحاسبة فهل لا توجد إستراتيجية أو خطة وأنما تسير الأمور بطريقة عشوائية أم عندما تكون هناك أزمة تصدر تصريحات تدعو للحوار ثم يتلاشى كل شئ بعد ذلك ومع ذلك لا يتعظ الجميع من مناورات الحزب الحاكم.
مرة أخرى أعود للرئيس نميري والذي أطلقوا عليه لقب القائد لأنهم قالوا له أن كل خيوط اللعبة في يده وأن الأخرين لا يملكون الا ربما خيط واحد أو أثنين وذلك هم لا يلمون بالموضوع من كل جوانبه وهذه مهمة القائد ليقود فماذا كانت النتيجة والغريب أن الذين قدموا له هذه النصيحة و اللقب كانوا أول من مشى في نعش مايو وهكذا هي بطانة السوء التي ترعى مصالحها فقط.
لو كانت لدينا أحزاب حقيقية بمعنى أن لها مؤسسات فاعلة وليست شكلية وبرامج مدروسة واستراتيجية لمصلحة الوطن لما حدث كل هذا ولو أراد كل حزب أن يراجع وضعه بصورة جدية وسليمة وعلمية وموضوعية لوجدوا أن عدداً كبيراً من أعضائه أصبح عبئاً عليه ولا أدري كيف تستقيم الأمور وينصلح حال الوطن اذا كنا نسير بهذه الطريقة وكيف نعالج قضايا وطننا ونوقف نزيف الدم ونهب أموال الشعب والتدخل الخارجي اذا كنا نناقض ما نقول بالأمس ونرفض من نقبله بالأمس وكل هذا فقط من أجل البقاء في السلطة والتي أصبحت هي الإستراتيجية الوحيدة وليذهب الوطن للجحيم لأن السياسة لازالت عند البعض هي الفهلوة والكذب والمكر والبهلوانية تحميها القوة الباطشة لارهاب الأخرين وقتل الأبرياء كما حدث بالجامعة أول أمس السلطة مسئولية جسيمة امام الشعب وأمام الله ويدهشني أن أرى مسئولاً يغادر موقعه ليحضر مؤتمراً خارجياً لا قيمة له أو مناسبة داخلية لا يستحق حضورها حتى والياً أو معتمداً في ظروف بظروف الوطن والتي تحتاج إلى كل الوقت أو لظروف أقليمية تشهد توتراً أو لظروف عالمية تشهد اضطراباً .. فهل هذا دليل هروب أم عدم ادراك ووعي سياسي.
متى يستطيع أي حزب أن يحاسب أعضائه على تصريحات منفلته ومتى يقبل حزب نقد أعضائه لتصرفات وتصريحات وسلوك تضر بسمعته ولا يعزلهم حتى يخيف الأخرين ولكن قبل ذلك وفوق ذاك يبقى السؤال هل للحزب سياسة حقيقية مدروسة ومتفق عليها ترعى مصالح الوطن أولاً والشعب وله مؤسسات فاعلة وقوية تضع تلك السياسات ليلتزم بها الجميع لأن في غياب ذلك يحدث هذا العبث الذي نسميه سياسة.
السفير / الأمين عبداللطيف
samiabdellatif@hotmail.com
بدءاً هل يعرف بعض المسئولون السودانيون المعنى الحقيقي للمسئولية ؟ أشك كثيراً والا لما وصلنا إلى ما نحن فيه الآن ولذا فان المعرفة الحقيقية للمسئولية مهم .. فهل هي مسئولية وطنية وبادراك ووعي سياسي ناضج بمعنى أن يعرف مصالح الوطن ويحميها ويدافع عنها أم أن شخصية المسئول تصبح تجسيداً لمصلحة الوطن وبدونه الوطن لا شئ ولذا كان بقاء البعض في الحكم مدى الحياة أو اسقاطه بالقوة .. أم هي مسئولية الحفاظ على مصالح الجماهير التي منحته الثقة وبذلك يحترم الشعب ويصبح خادمه وليس سيده .. أم هي مسئولية أخلاقية بمعنى أن يعرف أن سلوكه محسوب على الوطن وأن الأمانة والنزاهة أمانة في عنقه وعناصر أساسية حتى لا يستبيح المنصب لمصلحته وأسرته أم هي مسئولية دينية بمعنى أن يحترم القسم الذي أداه ويده على المصحف الشريف أم اعتبر ذلك عمل مراسمي فقط أي من هذه يعرفها ويحترمها المسئول السوداني سواء كان والياً أو وزيراً أو رئيساً .. للأسف المسئولية لدى بعضهم هي الوصول إلى السلطة والبقاء فيها بأي ثمن فقط ولذا من استقلالنا وحتى الآن نتنازع حول كراسي السلطة ولكن ماذا نفعل بها بعد ذلك فذلك شأن أخر. ولذا كان التدهور المريع الذي أصاب الوطن حتى الآن.
المسولية في العالم كله ليست الوصول فقط لكراسي الحكم والا لما كانت هناك أحزاب وديمقراطية حقيقية لأن المسئولية الحقيقية بالنسبة لهم عادة مع الذين هم خلف الكواليس الذين ينظمون الحزب ويخططون ويضعون البرامج ويراقبون الأداء حتى ينجح الحزب ويصبح قوياً وفاعلاً ويحافظ على مصالح الوطن والمواطن ولذا يطلق عليهم لفظ King Makers لكن هنا عندنا الكل يريد أن يصبح وزيراً ذلك لأن المنصب هو مجال الثروة والجاه والظهور له ولأسرته وعشيرته وتأكيداً لذلك بالنظر إلى شكل وحجم المسئول قبل السلطة وهو في السلطة حيث ينتفخ جسده وتمثلاً جيوبه دون رقيب أو حسيب والشعب يعرف ذلك.
لقد مرت علينا تجارب مما ذكرت مؤلمة ومحزنة من مسئولين منهم الذي لا يحترم المواعيد التي أعدت له لمقابلة المسئول المقابل من دولة ويتخلف لأن نزواته حالت دون ذلك .. ومنهم المسئول الذي يرتكب عملاً مشيناً يصبح معلقاً ومرتبطاً باسم الوطن .. ومنهم المسئول الذي يسقط بصورة مؤسفة ويفشل في سداد نفقات الفندق أو دفع وزن عفشه نتيجة للشراء بجشع وأمثلة كثيرة لا مجال لذكرها ولولا أننا لا نريد أن نشهر بأحد لكنا ذكرنا الأسماء وما أكثرها والحديث عن المسئولية والأنتماء الوطني الحقيقي والحس الوطني صادق عمله يفتقر إليها عدد كبير وفي هذا الصدد أذكر قصة محزنة ومؤلمة عشتها بلندن حيث كنت أعمل عام 1972م فقد ارسل الرئيس الراحل نميري توجيهاً بأن يعود كل المسئولين بالخارج للسودان فوراً وحينما اتصلنا بالموجودين بلندن فؤجئت بذلك العدد والذي كان من الممكن أن نعقد به مجلس الوزراء وبنصاب قانوني ... وأثناء تواجدهم بمكتب السفير ( المرحوم عبدالله الحسن) دارت مداعبات ومناوشات بين بعضهم البعض حيث يصنف أحدهم الأخر بأن ميوله أمريكية أو فرنسية أو روسية أو مصرية ... الخ وبشعور غريب انتابني سألتهم فجأة من هو الذي ميوله سودانية !! فتكهرب الجو وخرجت فلحق بي المرحوم أحمد سليمان وبأسلوبه وطريقته المعروفة قال لي معاتباً أنهم فقط يداعبون بعضهم ويجب أن لا أخذ ما سمعت مأخذ الجد .. فقلت له لماذا أيضاً من باب المداعبة لم أسمع من يقول أن ميوله سودانية .. ترك ذلك الموقف أثراً عميقاً في نفسي وعرفت من ذلك الموقف عدد (اللوبيات) أو الخلايا النائمة الموجودة بالسودان ولا عجب أن يكون لدينا أحزاب سياسية ليس لها صلة بشعب ومصالح السودان بدعوة الديمقراطية الزائفة وهي مأساة السودان الحقيقية سواء في العهد الديمقراطي أو الشمولي دعك من حاملي الجوازات الأجنبية في مواقع المسئولية .
اذا عدنا إلى مأساة العبء سواء على الحزب أو الدولة أو في مرافق الدولة المختلفة لوجدنا ما يزعج ويخيف وذلك ناتج الدرجة الأولى لعدم الفهم الحقيقي لمعنى المسئولية بصورها المختلفة (وطنية – أخلاقية – دينية –..الخ) ... ففي الأنظمة الديمقراطية يفترض أن تكون للحزب مؤسسات تراغب وتخطط والوزير ماهو الا ممثل للحزب واذا حاد عن الطريق فلا مجال لبقائه وكذلك بالنسبة حتى لرئيس الحزب ورئيس الوزراء ورئيس الدولة ... ولذلك رأينا كيف أن الحزب الجمهوري الأمريكي أسقط الرئيس نكسون وحزب المحافظين أسقط مسز ساتشر وحزب العمل البريطاني أسقط توني بلير حتى الحزب الشيوعي السوفيتي أسقط خروتشوف حتى في اسرائيل أسقط رئيس الدولة وغير ذلك من الأمثلة لمن يريد أن يعرف .. أما في الأنظمة الشمولية فحدث ولا حرج سواء بالانقلابات داخلية أو تصفيات جسدية لأن شخصية القائد تتجسد فيه شخصية الدولة وأي مساس له هو مساس بالوطن. عجباً فداسة ولا في الاسلام ولذلك لا عجب في السودان أن يعربد زعيم الحزب كما يحلو له ومطلق التصريحات المتناقضة والمتضاربة ولا أحد يسأله والوزير في الحزب يفعل نفس الشئ والرئيس يفعل ننفس الشئ ولا محاسبية وهم لا يدرون أثر ذلك سواء على الحزب أو الدولة أو السياسة التي يرددها الحزب ولذلك نفتقد المصداقية داخلياً وخارجياً وهذا غير مهم لأن الرأي العام لا وزن له ولا يهتمون له ولعل قضية الساعة خير مثال أما خارجياً فالتجارب أوضحت لهم أن لا يهتموا بما يقال وأذكر في لقاء لي مع الرئيس الراحل نميري كنت أحمل جريدتي الأيام والصحافة وكلاهما ناطقة باسم النظام وفي الصفحة الأولى من كليهما تصريحات توضح مدى التخبط .. في أحداهما يقول وزير الاعلام (بونا ملوال) الناطق الرسمي باسم الدولة يقول أن الدولة الغيت عقود الخبراء الروس لأنهم تدخلوا في الشئون الداخلية للسودان وفي الأخرى يقول وزير الخارجية (دكتور منصور خالد) أن عقود الروس أنتهت .. فمازحت الرئيس قائلاً لو كنت مكاني سفيراً وحمل إليك أحد الصحفيين هذين التصريحين وسأل أيهما هو الحقيقة فماذا نقول .. فأنفعل الرئيس وقال أن هناك انفلات في التصريحات يجب وضع حولها . فتشجعت وقلت أن الرئيس الآمريكي حينما يخرج من البيت الأبيض لمقابلة الصحفيين يخرج من جيبه قصاصة صغيرة يقرأ منها ما يريد قوله ليس لأنه غبي ولكن الكلمة مسئولية ويحاسب عليها ولكن اللغة العربية لغة جميلة فنحن كل دولة شقيقة وصديقة لنا ونتفق معها تماماً في كل شئ ونحلف بالطلاق في أمور الدولة وغير ذلك.
وحينما عملت بالقاهرة عانيت الكثير وكنت لا لأدري أي حكومة امثل من كثرة التصريحات المنفلته هناك من يقف مع التكامل ومن هو ضده ومن هو مع الدفاع المشترك ومن هو ضد أو كلاهما لا يعرف أي شئ عن حقيقة الدفاع المشترك وأذكر أنني اضطرت لتصوير صفحات من كتاب السيد اسماعيل فمهي وزير خارجية مصر السابق (التفاوض من أجل السلام في الشرق الأوسط من 170 – 172) والتي تحكي قضية هذا الدفاع المشترك الذي لا يهم السودان من بعيد أو قريب وصورتها ووزعتها على عدد من المسئولين وحتى حلايب هناك من بعض يقف مع مصر أو ضدها وتحدثت مع رئيس الوزراء حول هذا التخبط ومع وزير الخارجية أنذاك الدكتور حسن الترابي .. وهذه مجرد عينه لما يعانيه أعضاء السلك الدبلوماسي السوداني.
اذا نظرنا إلى التصريحات التي أنطلقت بعد (المفأجاة) والتي لم تكن مفأجاة بل كانت فاجعة لأنها أعطت أمل كاذب لوجذبا تصريحات تحير واحدثت ربكة وتؤكد أننا نتخبط بصورة مؤسفة لدرجة أن التصريحات نسفت كلما قيل أو ما يراد له أن يحدث من تحول وعادت بنا إلى المربع الأول خاصة تصريحات بورتسودان وهذا مثل صارخ لعدم فهم المسئولية وكيف يمكن أن يصبح المسئول عبئاً ولأنه مسئول كبير لا يجد المحاسبة فهل لا توجد إستراتيجية أو خطة وأنما تسير الأمور بطريقة عشوائية أم عندما تكون هناك أزمة تصدر تصريحات تدعو للحوار ثم يتلاشى كل شئ بعد ذلك ومع ذلك لا يتعظ الجميع من مناورات الحزب الحاكم.
مرة أخرى أعود للرئيس نميري والذي أطلقوا عليه لقب القائد لأنهم قالوا له أن كل خيوط اللعبة في يده وأن الأخرين لا يملكون الا ربما خيط واحد أو أثنين وذلك هم لا يلمون بالموضوع من كل جوانبه وهذه مهمة القائد ليقود فماذا كانت النتيجة والغريب أن الذين قدموا له هذه النصيحة و اللقب كانوا أول من مشى في نعش مايو وهكذا هي بطانة السوء التي ترعى مصالحها فقط.
لو كانت لدينا أحزاب حقيقية بمعنى أن لها مؤسسات فاعلة وليست شكلية وبرامج مدروسة واستراتيجية لمصلحة الوطن لما حدث كل هذا ولو أراد كل حزب أن يراجع وضعه بصورة جدية وسليمة وعلمية وموضوعية لوجدوا أن عدداً كبيراً من أعضائه أصبح عبئاً عليه ولا أدري كيف تستقيم الأمور وينصلح حال الوطن اذا كنا نسير بهذه الطريقة وكيف نعالج قضايا وطننا ونوقف نزيف الدم ونهب أموال الشعب والتدخل الخارجي اذا كنا نناقض ما نقول بالأمس ونرفض من نقبله بالأمس وكل هذا فقط من أجل البقاء في السلطة والتي أصبحت هي الإستراتيجية الوحيدة وليذهب الوطن للجحيم لأن السياسة لازالت عند البعض هي الفهلوة والكذب والمكر والبهلوانية تحميها القوة الباطشة لارهاب الأخرين وقتل الأبرياء كما حدث بالجامعة أول أمس السلطة مسئولية جسيمة امام الشعب وأمام الله ويدهشني أن أرى مسئولاً يغادر موقعه ليحضر مؤتمراً خارجياً لا قيمة له أو مناسبة داخلية لا يستحق حضورها حتى والياً أو معتمداً في ظروف بظروف الوطن والتي تحتاج إلى كل الوقت أو لظروف أقليمية تشهد توتراً أو لظروف عالمية تشهد اضطراباً .. فهل هذا دليل هروب أم عدم ادراك ووعي سياسي.
متى يستطيع أي حزب أن يحاسب أعضائه على تصريحات منفلته ومتى يقبل حزب نقد أعضائه لتصرفات وتصريحات وسلوك تضر بسمعته ولا يعزلهم حتى يخيف الأخرين ولكن قبل ذلك وفوق ذاك يبقى السؤال هل للحزب سياسة حقيقية مدروسة ومتفق عليها ترعى مصالح الوطن أولاً والشعب وله مؤسسات فاعلة وقوية تضع تلك السياسات ليلتزم بها الجميع لأن في غياب ذلك يحدث هذا العبث الذي نسميه سياسة.
السفير / الأمين عبداللطيف
samiabdellatif@hotmail.com
Nessun commento:
Posta un commento